إنتخاب السيسي إعادة انتخاب الجيوش
د.نسيب حطيط
بدأ عهد الإخوان المسلمين بما سمي الربيع العربي ابتداءً من مصر بشكل أكثر وضوحاً من تونس وصار إخوان مصر المرجعية السياسية للربيع العربي الشامل أو مركز الخلافة الإخوانية المفترضة ونتيجة المراهنة السياسية والغرور والإنفعال والإبتعاد عن الواقع ،سقط الإخوان في مصر وخسروا الحكم والشعب ولم يربحوا سوى الشارع الملتهب والساحات الدموية والتفجيرات ضد الجنود والشرطة والناس الأبرياء.
أسقط الإخوان أنفسهم قبل أن يسقطهم الآخرون ،عندما تغلب فقه المصالح على فقه المبادئ واحترق الإخوان في كامب ديفيد وتحالفوا مع الغرب وهادنوا الصهاينة، مما فتح الطريق أمام الجيش المصري لاستعادة زمام المبادرة بعدما تخلى المجلس العسكري بزعامة المشير طنطاوي عن السلطة وسلمها للإخوان بعد فوزهم بالإنتخاب.
هل ينجح المشير عبد الفتاح السيسي في مصر... الظاهر أنه سيفوز، لكن الفائز هو الجيش والقوات المسلحة فبعد خطيئة وإرهاب الإسلام التكفيري في العالم العربي الذي نشر الخراب والدمار وهتك الأعراض وأسال الدماء وضرب الإقتصاد وأعدم الأمن والسلام، إنحازت الشعوب إلى من يحميها ويمنع عنها القتل والذبح واحتمت بجيوشها ولذا فإننا نرى الشعب الجزائري بعد معاناة العشرية السوداء في التسعينات ينتخب مجدداً الرئيس بوتفليقة على كرسي متحرك ! لكن الحقيقة أنه ينتخب الجيش الجزائري لتأمين الإستقرار والأمن !
وفي العراق يتجه الشعب العراقي لإنتخاب نوري المالكي بعدما أعلن حربه على داعش والقاعدة ويسعى العراقيون لتدعيم الجيش العراقي لعله يبسط الأمن والسلام ويمنع مجازر القتل اليومية عبر السيارات المفخخة.
ينتخب المصريون المشير السيسي لكنهم ينتخبون عملياً الجيش المصري لإستعادة الأمن وإنعاش السياحة والإقتصاد بعدما انزلق الإخوان المسلمون إلى دوامة العنف ودمروا ما بنوه خلال ثمانية عقود وذهبت شعاراتهم أدراج الرياح وأعلنوا معادلة ..نحن أو الطوفان ، أما أن نستلم السلطة أو نشعل البلد وهذا أقسى ما خسره الإخوان هو المصداقية لكن الخاسر الأكبر هو الإسلام السياسي الذي طعنوه ألف طعنة في الصدر فكرياً وسلوكياً.
إن الشعب السوري إنحاز إلى الجيش العربي السوري بقيادة الرئيس الأسد بعدما عاث الإرهابيون فساداً في الأرض ودمروا سوريا وخربوا إقتصادها وفتحوا أبوابها لكل شذاذ الأفاق لإغتصابها من قبل كل التكفيريين متعددي الجنسيات وسيعاود السوريون إنتخاب الرئيس الأسد لإنحيازهم لإنتخاب السيادة والكرامة والسلام والأمن والكرامة.
وفي لبنان ينتظر اللبنانيون رئيساً للجمهورية يكمل منظومة الرؤساء (أبو تفليقة – السيسي – الأسد – المالكي ...) لمحاربة التكفيريين وحصار الإرهاب.
تعود الشعوب لإنتخاب جيوشها بعدما قضى الإسلاميون الجدد على أحلامها ورغباتها بالتغيير بممارساتهم الخاطئة وفهمهم المغلوط لتطبيق أحكام الإسلام وإرتباطاتهم المشبوهة.
إنتخاب السيسي بداية افول الإخوان في مصر ويمكن أن يؤسس لإعادة بناء هيكل القوة عند العرب وسيؤثر مباشرة على حركة حماس ويحاصرها سياسياً وميدانياً نتيجة خطأها القاتل عندما أعلنت نفسها (الذراع الجهادي للإخوان) وإرتمائها في أحضان قطر التي تصارع السيسي والجيش وهذا ما دفع حماس بعدما أخطأت في سوريا ومصر والربيع العربي أن تركض بإتجاه المصالحة لكن بصيغة (زواج الإكراه) أو المصلحة والتي ستنهار عند أي إنفراج لحركة حماس أو تعرض المصالحة لأي خلاف حقيقي.
الإنتخابات الرئاسية في العالم العربي تعلن نهاية ما سمي بالربيع العربي في جمهوريات العرب لينتقل الربيع الدموي إلى ممالك وإمارات العرب في مرحلته الثانية من بوابات السعودية وقطر وإذا استبقت قطر رياح التغيير وتنازل حمد بن خليفة لصالح ولده الأمير تميم حماية لنفسه من العواصف الآتية والعودة للحكم بعد زوال التهديد والأخطار ،فإن الربيع التكفيري يدق أبواب السعودية وصراعات العائلة المالكة ولذا فهي تؤمن جسور التواصل مع مصر لتأمين قوة الإحتياط لمجابهة ما ستتعرض له السعودية عبر إتفاقيات أمنية مع الجيش المصري لمساعدة العائلة المالكة في قمع الإضطرابات القادمة.
إن فوز المشير السيسي لا يعني إنتهاء المشاكل والشغب في مصر، بل سيؤسس لمرحلة الإستنزاف الطويلة في مصر بسبب الإنفعال الذي أصيبت به جماعة الإخوان المسلمين بعد خسارتها للسلطة، إلا إذا عادت لحماية نفسها ودينها وشعبها وأعادت تقييم الإوضاع والعمل السياسي الهادئ البعيد عن العنف.
حمى الله مصر وشعبها ..وحمى هذه الأمة من نفسها ومن أعدائها.